انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان منهياً فراغاً استمر عامين
حظي انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون بإجماع نادر بين اللبنانيين، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في أول انتخابات رئاسية في لبنان بعد سقوط نظام الأسد.
بيروت - انتخب قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون رئيسا للبلاد، الخميس، بعد أكثر من عامين من الفراغ في المنصب الأعلى في البلاد وسط تفاقم التنافس السياسي والضغوط الاقتصادية والمالية وعدم الاستقرار المتزايد.
وحصل عون، الذي يتولى قيادة القوات المسلحة اللبنانية منذ عام 2017، على 99 صوتا من أصل 128 خلال الجولة الثانية من جلسة البرلمان التي عقدت في 2017. فاز عون برئاسة الجمهورية اللبنانية على يد رئيسه نبيه بري. وخلال الجولة الأولى من التصويت التي جرت في وقت سابق من يوم الخميس، حصل عون على 71 صوتا، وهو أقل من العدد المطلوب ليصبح رئيسا وهو 86 صوتا.
المادة 49 من الدستور اللبناني تحظر على موظفي الحكومة وأفراد القوات المسلحة ولم يكن بوسع أي مرشح أن يترشح للرئاسة إلا إذا حصل على أغلبية الثلثين من الأصوات. ولذلك كان لزاماً على عون أن يحصل على 86 صوتاً برلمانياً على الأقل وليس مجرد الأغلبية البسيطة (65) للالتفاف على هذه القاعدة.
وجاء هذا الاختراق بعد دبلوماسية إقليمية ودولية مكثفة قادتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر ودول أخرى. وجاءت جلسة يوم الخميس بعد تنفيذ وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا بين لبنان وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة، والذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024. وأنهى وقف إطلاق النار، الذي من المقرر تجديده في 25 يناير، صراعًا استمر 13 شهرًا بين إسرائيل وجماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران. ويلعب الجيش اللبناني دورًا محوريًا في تنفيذ هذا الترتيب.
ظل لبنان بلا رئيس منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال عون المدعوم من حزب الله (لا تربطه به صلة قرابة). ومنذ ذلك الحين، فشل البرلمان المنقسم في البلاد في 12 محاولة لانتخاب رئيس جديد، تاركا لبنان مع حكومة تصريف أعمال تعمل بصلاحيات محدودة.
وفي الأسابيع الأخيرة، كثفت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، جهودها الدبلوماسية في محاولة واضحة لتأمين انتخاب الجنرال عون.
وباعتباره قائداً للجيش اللبناني، اكتسب الجنرال عون سمعة طيبة بفضل نزاهته الشخصية. ويرى كثيرون أنه شخصية غير قابلة للفساد وشخصية مستقرة للبلاد.
من هو جوزيف عون؟
ولد عون في العام 1964 لعائلة مسيحية مارونية في ضاحية سن الفيل في قضاء المتن شرقي العاصمة بيروت، وتنحدر عائلته من بلدة العيشية في جنوب لبنان.
حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية مع التركيز على الشؤون الدولية من الجامعة اللبنانية الأميركية وبكالوريوس آخر في العلوم العسكرية، بحسب موقع القوات المسلحة اللبنانية. بالإضافة إلى لغته العربية الأم، يجيد عون اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
وهو متزوج من نعمت نعمة، ولهما ولدان هما خليل ونور، وحضرت الأسرة الجولة الثانية من الانتخابات الخميس.
بدأت مسيرة عون العسكرية في العام 1983، حين تطوّع في الجيش أولاً، ثم ترقّى إلى رتبة عميد، ثم عُيّن قائداً للجيش اللبناني في آذار 2017، خلفاً للعماد جان قهوجي.
وقد تم تمديد ولايته مرتين في السنوات الماضية: في ديسمبر 2023، وافق البرلمان اللبناني على تمديد ولاية عون لمدة عام واحد. وكان من المقرر أن يتقاعد في يناير 2024. ومرة أخرى، في 28 نوفمبر 2024، قبل أسابيع من انتهاء ولايته في 10 يناير 2025، تم تجديد ولاية عون لمدة عام إضافي.
تلقى عون تدريبات عسكرية مكثفة في لبنان والخارج. ففي عام 1996، ذهب إلى سوريا لتلقي تدريبات الكوماندوز، ثم بين أكتوبر/تشرين الأول 2002 وأبريل/نيسان 2003 تدرب في الدولة المجاورة ليصبح قائد كتيبة.
كما حضر دورة إدارة الدفاع الدولي في الولايات المتحدة في عام 1999 وبرنامجًا دوليًا آخر لمكافحة الإرهاب بين عامي 2008 و2009.
الإنجازات العسكرية
اكتسبت مسيرة عون العسكرية أهمية كبيرة في عام 2015، عندما تم تعيينه قائدًا للواء التاسع، المكلف بالعمليات على طول الحدود مع إسرائيل. وبعد عام واحد فقط، تم تعيينه مرة أخرى في شرق لبنان، بالقرب من الحدود السورية، حيث أنشأ المسلحون الإسلاميون معاقل لهم.
تحت قيادته، قاد الجيش اللبناني في أغسطس/آب 2017 ما يسمى بمعركة فجر الجرود ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة في جرود رأس بعلبك والقاع في شرق لبنان على طول الحدود مع سوريا.
وأسفرت العملية السريعة التي استغرقت أقل من أسبوعين عن مقتل أكثر من 150 جهاديا، بحسب الجيش. وبلغ إجمالي عدد القتلى في المعارك سبعة جنود، بينما عُثر على رفات ثمانية جنود اختطفوا في عام 2014 وأعدمهم تنظيم داعش في ضواحي عرسال. وقال عون حينها إن الجيش حقق "نصرا حاسما على الإرهاب".
وفي الآونة الأخيرة، خلال الأعمال العدائية عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله التي اندلعت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التزمت القوات المسلحة اللبنانية بموقف محايد. وعلى الرغم من ذلك، واجهت القوات المسلحة اللبنانية هجمات على مواقعها وأفرادها في جنوب لبنان، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 جنديًا. وأودى الصراع بحياة ما يقرب من 4000 شخص وأصاب أكثر من 16500 شخص، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية.
وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار الأخير على نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان، إلى جانب قوات اليونيفيل، في أعقاب انسحاب القوات الإسرائيلية. كما نص الاتفاق على انسحاب عناصر حزب الله إلى الشمال من نهر الليطاني (على بعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل).
وبدأت وحدات من الجيش في الأيام الأخيرة دخول عدد من البلدات والقرى القريبة من الحدود مع إسرائيل، بما في ذلك بلدة الناقورة الحدودية.
هل هناك دفع دولي لانتخاب عون؟
كما قاد الجنرال عون الجيش خلال الأزمة الاقتصادية والمالية المدمرة التي عصفت بالبلاد في عام 2019 والتي شهدت انهيار القطاع المصرفي وانخفاض قيمة العملة المحلية. وشهد الجنود المجندون انخفاض رواتبهم من حوالي 800 دولار شهريًا إلى أقل من 100 دولار، بينما يكسب العديد من الضباط الآن حوالي 250 دولارًا شهريًا.
بعد الانهيار المالي، زادت الولايات المتحدة، أحد المانحين الرئيسيين للجيش اللبناني، من مساعداتها له. وفي يونيو/حزيران 2023، أعادت واشنطن توجيه 72 مليون دولار من المساعدات إلى لبنان للمساعدة في دفع رواتب الجنود وضباط الشرطة اللبنانيين لمدة ستة أشهر.
ومنذ عام 2006، قدمت واشنطن أكثر من ثلاثة مليارات دولار في أشكال مختلفة من المساعدات للجيش اللبناني لمساعدته على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وفقا لوزارة الخارجية.
حصلت القوات المسلحة اللبنانية على معدات عسكرية أميركية من ضمنها مركبات مدرعة.
كما أرسلت قطر مساعدات مالية للجيش اللبناني، وأعلنت في يوليو/تموز 2022 عن حزمة مساعدات بقيمة 60 مليون دولار لدعم رواتب العسكريين. ومؤخرا في أكتوبر/تشرين الأول، بينما كانت الحرب بين إسرائيل وحزب الله مستعرة، نجح مؤتمر باريس للمساعدات للبنان في جمع نحو 200 مليون دولار كمساعدات لتعزيز القوات العسكرية والأمنية.
وبالإضافة إلى نجاحه في التعامل مع الأزمة المالية، بدا أن عون يتمتع بدعم القوى الغربية والإقليمية خلال فترة ولايته.
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات التي جرت الخميس، عقد العماد عون عدة لقاءات مع مسؤولين فرنسيين وأميركيين في بيروت، كما زار المملكة العربية السعودية. وخلال زيارته للمملكة في 26 كانون الأول/ديسمبر، التقى عون وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز وناقش معه العلاقات العسكرية والدفاعية بين البلدين وسبل تعزيز الدعم للجيش اللبناني.
وفي 20 كانون الأول/ديسمبر، أجرى عون محادثات مع وزير الخارجية الفرنسي الزائر جان نويل بارو ووزير الدفاع سيباستيان ليكورنو تناولت "سبل تعزيز علاقات التعاون بين جيشي البلدين ومواصلة الدعم للجيش في ظل الظروف الراهنة"، بحسب بيان للجيش.
التقى قائد الجيش اللبناني يوم الاثنين المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط آموس هوكشتاين في مكتبه في اليرزة لمناقشة تنفيذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. التقى هوكشتاين، الذي وصل إلى بيروت يوم الاثنين، بعد توقف في المملكة العربية السعودية، بمسؤولين لبنانيين والعديد من الزعماء السياسيين كجزء من الدفع الواضح الذي تبذله واشنطن لانتخاب رئيس في لبنان.
وزار عون واشنطن في حزيران/يونيو 2024 وشباط/فبراير 2023.
