أخيراً وبعد طول انتظار، انطلقت جلسات المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان والمعنيّة بمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومرافقيه. لم تكن اللحظة عاديّة البتة. لحظة تاريخيّة لأكثر من اعتبار.
أولاً: لم يعتد اللبنانيّون على مثل هكذا مشهد يمثّل برمزيّته صوت العدل والقانون، بخاصة بعد سنوات الشلل والتعطيل للمؤسسات كافة بما فيها المؤسسات القضائيّة التي ألغت نفسها بنفسها بعدما رضخت لقوى أمر الواقع واستسلمت لمنطق الترهيب والترغيب. فلو كان في لبنان قضاء قائم، لما كانت الحاجة إلى محكمة من هذا القبيل. لكن تمّ اللجوء إلى مجلس الأمن بعدما استفحلت في البلد الصغير ثقافة العنف ولم يعد للدولة المركزيّة أي سلطان لردع الجريمة. وكما جاء في كلمة أحد الوكلاء عن المتضرّرين في خلال جلسات الإدعاء، أصبح القانون في لبنان وجهة نظر وأصبحت الجريمة مباحة، يتمّ اللجوء إليها كوسيلة لتغيير موازين القوى إلى درجة أن العين اعتادتها.. فانقلبت المقاييس والقيم كافة بفعل طغيان ثقافة العنف، "ثقافة تقضم التسامح وتهدّد التعايش وتطيح بالتسوية التي عاش في كنفها اللبنانيّون". فمشهد الجلسات الأسبوع الفائت أعاد إلى الأذهان رهبة القاضي وصوت الحق.. عاد ليذكّر بأبسط البديهيات وهي أن "العدل أساس الملك".