في 14 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، دعا الرئيس المصريّ الموقّت المؤقت عدلي منصور المصريّين إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في 14 و15 كانون الثاني/يناير المقبل، معتبراً ذلك "نقطة بدء صحيحة لبناء مؤسّسات الدولة الديمقراطيّة الحديثة". وحرص منصور على القول إنّ الدستور هو ثمرة نضال شهداء "ثورتَي" 25 يناير و30 يونيو. وانتشرت لافتات يافطات عملاقة في كلّ أنحاء البلاد بين ليلة وضحاها للدعوة تدعو إلى "المشاركة" في الاستفتاء تأييداً لـ "ثورتَي" كانون الثاني/يناير 2011 وحزيران/يونيو 2013، في محاولة ربّما لتقوية تحالف 30 يونيو ووضع حدّ للخصام بين أفرقائه. لكنّ اللافتات اليافطات لم تحثّ المصريّين على التصويت بـ "نعم" لئلا تواجه الدولة اتّهامات بمحاولة التأثير على الناخبين.
عندما يقول منصور إنّ الدستور الجديد هو "نقطة بدء صحيحة"، فربما هي إشارة إلى أنّ مشروع الدستور الجديد ليس كاملاً ولا مثاليّاً. وقد يكون هذا هو المكوّن السريّ المطلوب كي تجتاز مصر المرحلة الانتقاليّة الثانية: ذرّة من عدم الكمال مع قليل من الواقعيّة... أي الإدراك بأنه يستحيل على أنّ الدستور يستحيل أن يرضي الجميع بشكل كامل، فلا يمكن مثلاً أن ينصّ على أنّ مصر دولة علمانيّة تماماً ولا أنّها تيوقراطيّة ثيوقراطيّة إسلاميّة... ... لأنّ مصر في الواقع ليست لا هذه ولا تلك. فالدستور يعكس ببساطة الواقع السياسي والمجتمعي الموجود بالفعل، والظروف السياسيّة التي أدّت إليه. وبينما امتعض العلمانيّون بسبب عدم تمكّنهم من إدراج مادّة صريحة تضمن أن تكون مصر "دولة مدنيّة"، فقد اضطروا لقبول حل وسط جاء في ديباجة الدستور في مصطلح "حكم مدنيّ"، الذي تحول في النهاية إلى "حكومة مدنيّة". وفي الوقت نفسه، استاء بعض الإسلاميّين بسبب حذف المادة 219 التي سمح دستور 2012 بموجبها، وبشكل غير مباشر، لجسم هلامي ضخم من تفسيرات واجتهادات تندرج تحت مفهوم "الشريعة" وأحكامها عبر مختلف العصور، أن يصبح جزءاً من الدستور، وكذلك المادّة 76 التي شكّلت فرصة أخرى لإدراج "أحكام الشريعة" هذه في قانون العقوبات، ما يتيح للقضاء إنزال عقوبات من دون تشريعات. وقد حُذفت تلك النصوص من مشروع الدستور الجديد. في السياق نفسه، يعكس الدستور الجديد الدور السياسيّ الموقّت المؤقّت للقوات المسلّحة التي تتمتّع بحقّ الاعتراض على تعيين قائدها العام مّ الجديد - أي وزير الدفاع، – لولايتَين رئاستين متتاليتَين رئاسيّتين، أي ثماني سنوات، بما يعني ضمناً دخول مصر في مرحلة انتقاليّة ثالثة.