انفجار الرويس الذي هزّ الضاحية الجنوبيّة لبيروت قبل أكثر من أسبوع (في 15 آب/أغسطس الجاري) لم يُعِد فقط شبح الحرب الأهليّة إلى لبنان، إنما أتى ليُظهِر معادلات القوى الجديدة التي تتحكّم بالمشرق العربي وليؤكّد على الصراع الأساسي الذي استقطب باقي النزاعات القائمة في المنطقة ألا وهو الصراع السنّي-الشيعي. وهذه الحادثة إذا ما دلّت على شيء إنما تدلّ على سقوط فكرة الدولة نفسها الحافظة للأمن والراعية للاستقرار، وذلك بعد تلاشي العقد الاجتماعي المؤسّس لها بفعل الانقسام الحاد بين مكوّنات البلد الواحد واصطفافها في معسكرات القوى الإقليميّة المتصارعة.
الحرب السوريّة لم تعد "سوريّة" البتّة، وقد تعدّى نطاقها حدود بلاد الشام. فهي أضحت حرباً مذهبيّة طالت نيرانها لبنان والعراق وهي مرشّحة أن تمتد إلى بقاع أخرى عربيّة أو غير عربيّة، إذا لم يتمّ احتواؤها عبر تسوية شاملة تضع القوّة في خدمة الشعوب وحقوقهم الأساسيّة وليس العكس، كما هو حاصل الآن. فبعد "اللبننة" التي باتت مرادفاً لانحلال السلطة المركزيّة وتفتّت الكيان الوطني إلى كيانات طائفيّة، وبعد "العرقنة" التي أضافت على عمليّة التفتّت هذه أبعاداً تكفيريّة وعودةَ إلى رموز الحروب القروسطيّة التي تحلّل دم الكفّار -وأبغض مشهد على ذلك هو ما راج من نحر للرؤوس على الطريقة الزرقوايّة-، ها هي "السريَنة" تجمع ما بين الآفتَين وتضيف إليهما ظاهرة الإبادة الجماعيّة والتطهير بالكيماوي.