قد يكون من المهم متابعة تفاصيل الأزمتين الحكومية والنيابية القائمتين في بيروت. لكن الأهم بالتأكيد هو محاولة الإضاءة على الأسباب العميقة لتلك الأزمتين وعلى دلالالتهما الجوهرية على مستوى لبنان وخصوصاً على مستوى محيطه.
في آخر تطورات الأزمة الحكومية مثلاً، أن نائب بيروت المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، تمام سلام، اتفق مع تحالف الحريري الذي ينتمي هو إليه، كما مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ومع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، على تشكيل حكومة من 24 وزيراً. على أن يوزع هؤلاء بالتساوي: 8 وزراء لمثلث سليمان – سلام – جنبلاط. على أن تعطى حصة مماثلة، أي 8 وزراء أيضاً، لكل من التحالف الحريري وتحالف الجنرال عون مع القوى الشيعية. رفض الفريق الأخير هذا العرض. وبرر ذلك بعدة أسباب. أولاً لأنه يعتبر أن سلام وجنبلاط باتا من صلب فريق الحريري. وبالتالي فمحاولة فرزهما في عملية توزيع الحصص الوزارية هي مناورة مكشوفة لكسب عدد أكبر من المقاعد لصالح التحالف الحريري. ثانياً، لأن الحكومة الائتلافية يفترض أن تعكس الموازين البرلمانية. وفي البرلمان الحالي يحوز تحالف الحريري – جنبلاط على 67 نائباًمن 128 نائباً، في مقابل 59 نائباً لتحالف عون – القوى الشيعية. مع بقاء نائبين اثنين خارج هذا الاصطفاف. فيما لا يملك رئيس الجمهورية أي صوت نيابي. لذلك يعتبر تحالف عون – القوى الشيعية أن نسب التمثيل النيابي تقتضي حكومة ائتلافية موزعة كالآتي: 10 وزراء لأكثرية تحالف الحريري – جنبلاط، 9 وزراء لتحالف عون – القوى الشيعية، و5 وزراء لإرضاء ثنائي رئيس الجمهورية وتمام سلام. لم يقبل اي من الطرفين بعرض الآخر. ما جعل عملية تشكيل الحكومة تقف عند الحائط المسدود. عندها ذهب جنبلاط إلى الرياض، حيث التقى بندر بن سلطان. وهو من يصفه تحالف عون – القوى الشيعية بأنه "الوصي" السعودي الجديد على الملف اللبناني. ثم عاد حاملاً إلى سلام أجواء سعودية تسمح بمزيد من التريث وعدم الذهاب إلى حلول من طرف واحد. في هذا الوقت بدأ البحث عن تسوية لمأزق العرضين الحكوميين المرفوضين. وآخر الصيغ المطروحة لذلك العودة إلى معادلة ثمانية وزراء لكل فريق، مع إعطاء تحالف عون – القوى الشيعية وزيراً تاسعاً مخفياً أو مستتراً. بمعنى أن يكون هناك وزير محسوب فعلياً على هذا التحالف، لكن يسميه شكلياً رئيس الجمهورية. وتقول المعلومات أن هذا الطرح قد تقدم. بحيث تردد أنه اتفق على أن يكون هذا "الوزير الملك" - كما بات يسمى في أدبيات السياسة والصحافة اللبنانية - هو الوزير الشيعي الخامس في الحكومة. على اعتبار أن القوى الشيعية هي من سيسمي الوزراء الشيعة الأربعة الآخرين. وتردد أيضاً أن رئيس الجمهورية سيختار لذلك أحد ضباط الجيش اللبناني الشيعة، الذين يعاونونه في رئاسة الجمهورية. بحيث تحل أزمة الحكومة بهذه الطريقة الملتوية.