فيما يستمرّ الجيش اللبناني في تأدية مهامه المتعدّدة على جبهات عدّة، تستمرّ معاناته حيال نوع من الحصار المضروب عليه، إمّا لأسباب ماليّة، وإمّا لأسباب سياسيّة. لكنّ محصلتها واحدة، ألا وهي تهديد الاستقرار اللبنانيّ في هذه المرحلة الدقيقة بالذات.
فلجهّة الجبهات المفتوحة ضدّ الجيش، يكفي التذكير بثلاث منها على الأقلّ: أوّلاً، جبهة الجنوب اللبنانيّ عند الحدود مع إسرائيل. فبعد الحرب التي اندلعت في تموز 2006 بين الجيش الإسرائيليّ ومقاتلي حزب الله، وبعد انتهائها بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701، بات على الجيش مؤازرة قوّات الأمم المتّحدة المنتشرة في المنطقة، من خلال ما لا يقلّ عن ثلاثة ألوية مقاتلة، لحفظ الأمن وبسط سيادة الدولة. ثانياً، إلى الشرق والشمال، ثمّة نحو 278 كيلومتراً مفتوحة مع النار السوريّة المفتوحة هناك منذ ثلاثة أعوام ونيّف. شريط حدودي طويل وشائك، مشرّع لكلّ عمليّات تهريب الأشخاص والبضائع والسلاح والإرهابيّين، ضمنه طبعاً تلك المنطقة الساخنة في جرود عرسال، والتي تمتدّ على نحو 70 كيلومتراً من الجرود الجبليّة الوعرة، حيث يخوض الجيش، بمؤازرة مقاتلي حزب الله أيضاً، أشرس المواجهات مع المسلّحين الإرهابيّين من "داعش" و"جبهة النصرة". تبقى الجبهة الثالثة، تلك الداخليّة، حيث يقوم الجيش، بتكليف من السلطة التنفيذيّة الممثلّة بمجلس الوزراء، بمهام ضبط الأمن في الداخل اللبنانيّ، وذلك نظراً إلى الضعف المقابل في عديد قوى الأمن الداخليّ وإمكاناتها. مهام داخلية أقلّ ما تشمل نحو 12 مخيّماً فلسطينيّاً منتشراً على طول الأراضي اللبنانيّة من الجنوب حتّى الشمال، وتضمّ أكثر من 270 ألف لاجئ فلسطينيّ. هذا إضافة إلى المواجهة الدمويّة المستمرّة التي يخوضها الجيش ضدّ الخلايا الأصوليّة الإرهابيّة النائمة، وآخر حلقاتها المأساويّة اغتيال جنديّ صباح يوم الجمعة في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري ، في منطقة عكّار الشماليّة، التي تعتبر الخزّان البشريّ الأوّل للجيش اللبنانيّ، حيث تأتي نسبة كبيرة من جنوده من تلك المنطقة الحدوديّة النائية والمحاذية لسوريا، وذلك بعد أيّام قليلة على وقوع سلسلة اعتداءات مماثلة على الجيش في المناطق الشماليّة نفسها (راجع مقالنا السابق).