بعد نحو 11 شهراً من الفراغ الذي أعقب استقالة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في 22 آذار 2013، أبصرت الحكومة اللبنانية الجديدة النور، في 15 شباط 2014. حكومة برئاسة نائب بيروت ضمن كتلة الفريق الحريري، تمام سلام، ومن 24 وزيراً، اختيروا وفق توازن دقيق، بين الطوائف والمذاهب والأحزاب والحقائب، بحيث يشكلون تلك التركيبة الشديدة التعقيد للوضع اللبناني. غير أن أبرز ما في الحكومة الجديدة مسألتان اثنتان: أولاً ما يبدو وكأنه انقلاب في الأدوار الثلاثة للقوى السياسية والطائفية الثلاث الكبرى في البلاد وفي الحكومة نفسها. وثانياً ترقب ذهاب هذه الحكومة نحو التحدي الأول الذي ينتظرها. أي توافقها على بيان وزاري جديد، في ظل ثلاثة خيارات مطروحة لذلك، وثلاثين يوماً كمهلة دستورية قصوى لنيلها ثقة البرلمان اللبناني على بيانها هذا، تحت طائلة تحولها إلى حكومة مستقيلة.
في المسألة الأولى، أي انقلاب الأدوار بين الطوائف والقوى السياسية، من الطريف والمفارقة ملاحظة التالي: لقد أعطت الحكومة اللبنانية الجديدة إلى الفريق السني الأكبر، بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وزارتي الداخلية والعدل. ومع حلول اثنين من صقور هذا الفريق في هاتين الحقيبتين، يمكن القول أن مجمل النظام الأمني القضائي في لبنان بات في عهدة المعسكر السني الحريري. خصوصاً إذا ما اشرنا أنه إلى جانب وزير العدل، هناك مدعي عام التمييز، أي رأس قضاء الملاحقة في لبنان، وهو من الطائفة السنية أيضاً. ومع وزير الداخلية، هناك مدير عام قوى الأمن الداخلي ورئيس فرع المعلومات، أو جهاز الاستخبارات الأقوى حالياً في لبنان، والاثنان موظفان سنيان كذلك. علماً أن البعض يميل إلى تصنيف المسؤولين الخمسة، الوزيرين كما الموظفين الثلاثة المشار إليهم، على أنهم من الفريق المذهبي والسياسي نفسه حتى.