لم يُطوَ عام وينبثق آخر جديد إلا ولاحت أسوأ ملامح الفتنة على البلد الصغير. ودّع اللبنانيّون العام 2013 على وقع جريمة اغتيال طالت شخصيّة سياسيّة تمثل الدولة والاعتدال، في ما يشبه استهدافاً مباشراً لـ"تيار المستقبل" ومن خلاله لأهل السنّة في لبنان. واستقبلوا العام 2014 على دويّ انفجار آخر بمثابة ردّ، هزّ الضاحية الجنوبيّة لبيروت وبدا كأنه طعنة في صدر الطائفة الشيعيّة. كان هذا في أقلّ من أسبوع. وكأني بالساحة اللبنانيّة أضحت الساحة الأولى للحرب الإقليميّة الدائرة في الشرق الأوسط. وهذا التحوّل لمركز ثقل المواجهة من سوريا حيث تحتدم المعارك الكلاسيكيّة إلى لبنان حيث بدأت تطغى لغة الإرهاب، مرشّح للاستمرار وذلك لجملة أسباب.
فالإرهاب تغلغل إلى بيئته الحاضنة أي إلى الأحياء السكنيّة والمدن الشيعيّة اللبنانيّة وحوّلها إلى خاصرته الرخوة. لطالما اختار حزب الله أرض معاركه وتوقيتها، أقله في العامَين 1996 و 2006 في خلال الحربَين اللتَين خاضهما في وجه إسرائيل. فهو خاضهما انطلاقاً من الجنوب اللبناني ووفق أسلوب تميّز به، أي حرب عصابات تستنزف قدرات جيش يفوقه مقدرة وتنظيماً. أما في المعركة الذي انغمس فيها في سوريا بقرار أحادي الجانب، قد يكون هو من اختار بدايتها لكنه لم يعد ممسكاً لا بمسارها ولا بنطاقها الجغرافي. وعبثاً حاول أمينه العام حسن نصرالله متوجهاً إلى خصومه السياسيّين كما حصل في شباط/فبراير 2013، حصر الصراع في سوريا و"تحييد" الساحة اللبنانيّة ولو على طريقته ووفق شروطه، إلا أن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر. متغيّران على أقلّ تقدير فاقا كل الحسابات وشكّلا عنصر مفاجأة: تدفّق اللاجئين السوريّين والمدّ التكفيري إلى الداخل اللبناني. والمعطيان يشكّلان على المدى المنظور وكذلك على المدى البعيد، تهديداً لحزب الله يوازي لا بل يفوق سقوط النظام الحليف في دمشق.